قيل فى تعدد الزوجات ما قيل من المتعة والرفاهية وكل ألوان البهجة وصنوفها، حتى أن الكثير يحلم بالتعدد كونه طريق السعادة الوحيد، لكن هناك جانبًا آخر مظلم، لم يتطرق أحد إليه، ربما لأنه يكشف الوجه الحقيقي له، وهو أن طالب التعدد عليه العدل إلزامًا وحضورًا لا يحيد عنه قيد أنملة، وإن اختل ميزانه لحظة تكالبت عليه زوجاته يشكين ويتذمرن، وإن هو فشل في احتوائهن أرهقته مشاكلهن، والحقيقة القرآنية الثابت «ولن تعدلوا»، حتى أنه يتمنى أن يهجرهن، هجرًا لا رجعة فيه، بل وأضيف لك من الشعر بيتًا، يتمنى احيانا الموت هربًا منهن، بل ويحاول فى أحيان كثيرة الانتحار، وهو ما حدث حرفيًا فى منطقة الحلاجة التابعة لمدينة ملوي جنوب محافظة المنيا، عندما أقدم زوج على الانتحار حرقًا، هربًا من مشاكل زوجتيه. التفاصيل فى السطور التالية
فى الصباح، تجد صياح الديكة ممزوجة بأصوات أقفال الأبواب وهي تفتح، والأهالي يخرجون من منازلهم كل منهم إلى مسعاه، وتحيتهم حاضرة كلما التقى وجه أحدهم بالآخر، لكن فى منطقة الحلاجة، وفى هذا الصباح، كانت الأجواء المفعمة بالبهجة أجواءً مختفية تحت ستار أصوات صراخ، وأى صراخ، استغاثات إنسان يحترق، كيف هذا؟، ولماذا؟، اسئلة لم تجد لطريقها إجابة بعد.
السؤال؛ زوج الاتنين في نعيم أم جحيم؟!
استيقظ «ناصر» فزعًا صباح هذا اليوم على زوجتيه الاثنتين وهما يتشاجران كعادتهما، والسبب تافه- لكنها تأتي على أهون الأسباب وكما يقولون- من منهم تخرج لشراء الخبز والافطار. فهب ناصر وعنفهما وفك طرفي الشجار وعاد ثانية إلى مخدعه، لكن قبل أن يطبق جفنه استعدادًا للنوم عادت زوجتاه للشجار مرة أخرى، فأرهقه صوتهما العالية والألفاظ النابية التى تخرج من كل واحدة تجاه الآخرى. وفشله فى تهدئة صراعهما، فهددهما بحرق نفسه إن لم تكفا عن هذا العراك؟!
فى الحقيقة لم تكن هذه المشاجرة بين الزوجتين هي الأولى من نوعها، فمنذ اليوم الأول الذي دخل فيه بزوجته الثانية على الأولى قبل نحو 5 سنوات والمشاكل يوميًا فى ازدياد، ولا يحلو لهما المشاكل إلا فى حضرته، ووجوده، وكأنهما اتفقتا سويًا على هذا.
على الرغم من أن لكل منهما أولادها، والذي من المفترض أن توليان لهما الرعاية والاهتمام، بدلًا من تفننهما فى مشاكل تافهة لا طائل من ورائها غير تكدير جو البيت، ولا تدر عليهما إلا مزيد من البغض والندم بل والضرب أحيانًا.
هذا الأمر كان يصيبه دائمًا بالنفور من زوجتيه، وبيته، كان ناصر يتعمد التأخر خارج البيت هربًا منهما ومن مشاكلهما، حتى أنه – وفق رواية أحد أصدقائه – قال أنه ندم على اليوم الذي فكر فيه أن يتزوج مرتين.
فى هذا اليوم الموعود، وبسبب هذه المشكلة التى سبق ذكرها، وفشله فى احتواء زوجتيه وتهدئة ما بينهما من صراع وشجار، قام فى المرة الثانية وتوجه نحوهما، لكن فى تلك المرة لم يضربهما كعادته، بل أنه قال لهما بأسلوب بسيط وبصوت غير مرتفع: «يعني أنا دلوقتي مش هعرف ارتاح في بيتي أبدًا، خلاص بقيتوا متفقين عليا انتوا الاتنين، كل ما اكون موجود هتعملوا كدا، خلاص أنا هريحكوا مني وهولع فى نفسي»!
كان عند ناصر حلول كثيرة إلا أن يُقدم على ما أوعز به الشيطان إليه!
كانت نبرة صوته لا تدل على أنه سيفعل ما قاله، حتى أن زوجتيه لم تردا عليه ولم تعبأ بكلامه، لأنهما اعتادا منه على الصوت العالي، وفي تلك المرة كان مختلف اختلافا لما تعتادا عليه منه، كانت خطواته ثابتة، وبمجرد ما أن قال لهما ما قال، توجه إلى المطبخ، والتقط على الأرض «جركن» بنزين، وخرج حتى وقف أمامهما وفي مرمى بصرهما، ثم بدأ فى سكب البنزين على ملابسه ورأسه، حتى غطى البنزين المسكوب كامل هيأته.
حتى هذه اللحظة كانت الضرتان تشكان فى تصرف زوجهما، لأنه كان يمسك فقط «جركن» البنزين وليس فى يده «كبريت» أو «ولاعة»، لكن عندما انتهى «ناصر» من سكب البنزين على كامل جسده فطن إلى أنه يحتاج إلى نار، وعليه تركهما مرة أخرى وعاد إلى المطبخ، وخرج فى تلك المرة وفى يده علبة الثقاب، ووقف أمامها لحظة ثم أشعل عودا من علبة «الكبريت»، وقربها إلى ملابسه حتى لامس نيران العود ملابسه المبللة بالبنزين، وسرعان ما اشتعلت النيران في كامل جسده، «ايه ده هو اللي احنا شايفينه ده حقيقي ولا خدعة وخيال»؟!، هكذا تحدثت إحداهما للأخرى!
بمجرد ما اشتعلت النيران فى جسده أدركت الضرتان أنهما فى ورطة حقيقية، بل وأصابهما الذهول فى بداية الأمر من تصرف زوجيهما، إلى الحد الذي معه ظلتا صامتت-ين للحظات من فرط الصدمة، لكنهما تداركتا الأمر بسرعة، فهذه نار والذي يحترق بلهيبها هو الزوج، خرجتا تصرخان أمام البيت حتى يغيثهم الجيران والأهالي والمارة فى الشارع.
بصراخهما التف الجميع حولهما، ورأى الناس «ناصر» والنيران مشتعلة فى جسده وهو يتخبط فى أرجاء البيت فى مشهد صعب، فهرول الجميع عليه محاولين إطفاء النيران بكل ما استطاعوا من قوة، فمنهم من يلقي عليه المياه ومنهم من يحاول تهدئة ألسنة اللهب عبر إلقاء البطاطين عليها، وبالفعل بعد ثوانٍ معدودات استطاعوا انقاذه من الموت حرقًا.
كان الوضع صعبًا، البكاء يسيطر على الزوجتين وأولادهما، و»ناصر» ملقى على الأرض وآثار الحروق بلغت منه كل مبلغ، ومغشيًا عليه، ومن حوله الأهالي يحاولون الاطمئنان عليه، لكن كان إغماؤه هذا سببًا فى زيادة الوضع سوء، وذلك لظنهم فى بادئ الأمر أنه توفى وأنهم فشلوا فى إنقاذه، لكن بعد أن ذهبوا به إلى مستشفى قصر العيني بملوي ورآه الأطباء اطمئنوا عليه وعرفوا أن محاولاتهم فى إنقاذه لم تأت بالفشل.
يحكي «أحمد» أحد أهالي المنطقة وصديق «ناصر» قائلًا: «كان شابا على خلق عالي وسيرة حسنة، يعمل ليلا ونهارًا لتوفير لقمة عيش بالحلال لأبنائه الصغار، خصوصًا أن عبئه زاد بعد زواجه من امرأتين، وله من كل واحدة أولاد».
وأضاف: «وقت الواقعة كنت أجلس على المقهى بالمنطقة حتى يأتى العمال ونذهب إلى عملنا، وفجأة سمعت الصراخ داخل منزل محمد، ذهبت مسرعاً لمعرفة السبب وجدت الكثير من الجيران يحاولون إنقاذه من الحريق بعدما التهمت النار جسده بالكامل .والحمد لله تم إنقاذه قبل أن يفارقنا».
استجواب
كانت بداية الواقعة عندما تلقى اللواء مأمور مركز شرطة ملوي، إخطارًا من مستشفى ملوي العام بوصول «ناصر» البالغ من العمر 39 عامًا، تاجر ويقيم بمنطقة الحلاجة دائرة المركز مصابًا بحروق متفرقة بالجسم من الدرجة الاولي، وتبين من تحريات رجال المباحث الجنائية أن الزوج حاول الانتحار حرقا، لكن جيرانه أسرعوا فى إلقاء البطاطين عليه، مما أسهم فى إنقاذه وتم نقله إلى مستشفى ملوي العام، وجرى احتجازه داخل قسم الحروق.
وبتوقيع الكشف الطبى عليه أثبت التقرير الطبى وجود نسبة حروق 72 فى المائة، ولا يمكن استجوابه بسبب سوء حالته الصحية، وعليه تم إخطار الأدلة الجنائية، ونقل المصاب لمستشفى ملوي العام للعلاج، وكلفت إدارة البحث الجنائي بالتحري عن الواقعة، وتحرر محضر إدارى بمركز شرطة ملوي وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيق.