- م الآخر: الثلاثاء الماضي بدأ يومًا دراسيًا عاديًا في حياة فتاة لم تتعدَ الـ18 عامًا، لكنه انتهى بوجه نحيل يحمل كدمات بداخل إحدى المستشفيات، بعد أن تعدى أمين شرطة على طالبة ثانوية بالضرب المُبرح، قبل أن يهددها بالقتل - وفق حديثها.
أحداث علقت بذاكرة ندى إمام، تروي تفاصيله في السطور القادمة.
صباح الاثنين الماضي، توجهت ندى من منزلها بحي باب الشعرية بالقاهرة، صوب مدرستها الكائنة بحي الزاوية الحمراء، تبادلت التحية مع أصدقاء الدراسة، لم تغب ضحكات المراهقة عن أحاديث البنات، في انتظار بدء الحصص بمدرسة السيدة خديجة الثانوية التجارية بحي الزاوية الحمراء.
قبل انتهاء اليوم الدراسي بساعات قليلة، نشبت مشادة كلامية بين ندى وزميلة لها بأحد الفصول تُدعى هاجر، اشتد الخلاف بين الصغيرتين وصل إلى حدّ السباب، تدخل أحد الأساتذة للسيطرة على الأمر، وجه الفتاتين لغرفة الإخصائية الاجتماعية لاتخاذ الإجراء اللازم "كتبنا تعهد أن محدش يتعدى على التاني".
اعتقدت ندى أن الأمر انتهى تمامًا، توجهت الثلاثاء صوب المدرسة التجارية في سلام، ارتكزت على التختة المحببة بجانب صديقاتها، طالبها أحد المدرسين التوجه لحجرة مديرة المدرسة في عجالة، هرولت الطالبة بالصف الثاني الثانوي على سلالم المدرسة الحكومية.
في طريق النزول اعترضتها حكيمة المدرسة "ودي تبقى عمة هاجر"، وجهت إليها عدد من الجمل الساخرة "وريني بقى عملتي إيه في هاجر"، فجاء رد الفتاة نافيًا لأي تعرض للزميلة، غير أن تعدت الحكيمة عليها باليد.. دفعها الرد باندفاع "إنتي شغالة في المدرسة مينفعش تمدي إيديك"، قبل أن تتوجه سريعًا صوب مقر استدعائها، فيما سيطر الخوف على الفتاة المُصابة بثقب في القلب.
بمجرد دلوف الفتاة غرفة مديرة المدرسة، وجدت هاجر بصُحبة عمها وزوجته، واستنتجت من الأحاديث الدائرة أن الرجل الأربعيني يعمل بوزارة الداخلية، حاولت المديرة الاتصال بأم ندى لإحضارها "ماما كانت نايمة مردتش"، بعدها وجهت المديرة حديثها لأمين الشرطة "سماح المرة دي.. لو عملت حاجة تاني هديك اسمها تعملها محضر في قسم الزاوية".
خرجت ندى من حجرة المديرة مُطمئنة، رمقت هاجر وأمين الشرطة وزوجته الجالسين بملعب المدرسة، ذهبت في طريقها للفصل مُعتقدة أن الأمر حُسِم، قابلتها زميلة بلهفة تستفسر عما أُشيع بأرجاء المكان "هاجر بتقول إنك اتفصلتي شهر"، تجيبها ندى بالنفي التام.
دقائق واستشعرت الفتاة لفها، تستدير تجد زوجة الأمين تصيح بها "بت إنتِ مستفزة من الصبح"، لم تُمهل ندى فرصة للرد "جرجرتني من شعري لحد باب المدرسة"، تلتقط الفتاة أنفاسها وتُكمل "شعري طلع في إيد مرات أمين الشرطة".
خارج المدرسة تجمّع أناس مختلفين يُشاهدون ما يجري؛ ندى مُلقاة على الأرض، زوجة الأمين تنهال عليها ضربًا، تزيد هاجر وأصدقائها من ضربهم المُبرح تجاه الطالبة، تعلو صرخات الفتاة، تستغيث بالجمع الواقف.
لحظات وتدخل أمين الشرطة، أزاح زوجته، حاول أصدقاء ندى إثنائه عن ضربها، تناوب بضرب كل من تواجد بمحيط جسده الفائر، توجّه إلى هدفه في النهاية، عيناه تشتاط غضبًا، التقط ندى من على الأرض "خبطني في الحيطة أربع مرات، بعدها اغمى عليا ووقعت"، غابت الفتاة عن الوعي، بعدها داست قدمه الثقيلة جسمها النحيل.
من أمام المدرسة تروي صديقات ندى، أنهم اعتقدوا وقتها أن شدة الضرب أدت لوفاة ندى "جسمها كان بارد ووشها أزرق، صّوْتنا وحاولنا نشيلها بس الأمين كان بيضربنا إحنا كمان". حاول أكثر من طرف التدخل لحماية الفتاة، خرجت إخصائية المدرسة والمديرة لإنقاذها، غير أن الأمين اعتدى عليهن بالضرب أيضًا "في سواقين ميكروباص جم وقالوله حتى لو كنت وزير داخلية عيب تضرب بنت".
انفض الشجار، سارع المُدرسون لإنقاذ الفتاة، هرولوا إلى مستشفى "سيد جلال" بحي باب الشعرية، أفاقت ندى، سارت بجسدها رجفة وكدمات متفرقة، قضت ساعة وربع بقسم المخ والأعصاب للاطمئنان على صحتها.
بعد دقائق من دخول ندى المستشفى الجامعي، حضرت الأم، لم تُصدق ما رآته، انهارت في بكائها "ماما مكنتش عارفة تحضنيّ من الكدمات"، حاول الممرضين تهدئتها، فيما وعدها المدرسين بالسعي للحصول على حق ابنتها المفقود، بعدها توجهت الأم لقسم الزاوية الحمراء وحررت محضرًا ضد أمين الشرطة المُعتدي على ابنتها.
بعد انتشار الخبر إعلاميًا، واجهت مديرة المدرسة ضغوطات وصلت حد مطالباتها تقديم استقالتها "مديرة الإدارة التعليمية لما عرفت اللي حصل قالت لمديرة المدرسة إزاي تشهري بينا في الصحافة" يقول أحد المعلمين بمدرسة السيدة خديجة الثانوية التجارية رفض ذكر اسمه خوفًا من عواقب وخيمة تُرتب حديثه لوسائل الإعلام.
يضيف المدرس أن الإدارة المدرسية قررت فصل الطالبة هاجر نهائيًا بعد الواقعة. غير أن الضغوطات الأمنية أجبرت المدرسة التجارية، إعادة ملف هاجر المسحوب، بعد أيام قليلة فقط من اعتداء أمين الشرطة على زميلتها ندى. فيما وقعت عين المدرس اليوم الاثنين على هاجر بداخل المدرسة التجارية لأول مرة منذ وقوع الحادث.
وقال بشير حسن، المتحدث باسم التربية والتعليم، إن أمين الشرطة لم يعتدِ على الطالبة داخل المدرسة، وهو ما يجعل الإدارة التعليمية جهة غير مخوّلة لاتخاذ قرار بشأن الحادث، لافتًا إلى أنه برغم ذلك تم إحالة مديرة المدرسة إلى التحقيق لأنها لم تُبلِغ الإدارة التعليمية بالواقعة.
أربعة أيام، لم تطأ الفتاة أعتاب المدرسة منذ وقوع الحادث "أمين الشرطة قال لمديرة المدرسة لو شوفت ندى هضربها بالنار وأروح فيها في داهية"- وفق تعبيرها، لكنها قررت النزول اليوم استعدادًا للامتحانات، اجتمعت بصديقاتها، تسترجع الفتيات تفاصيل اليوم المشؤوم، تتوسل إليها حكيمة المدرسة للتنازل عن المحضر، ترفض البنت التنازل عن حقها الضائع "أنا واحدة أتهانت.. بقيت لما بركب ميكروباص أو توكتوك السواق يقولي هو إنتِ اللي اتضربتي في المدرسة؟".