القائمة الرئيسية

الصفحات

وقائع يجب أن تعرفها بعد إنفجار الكنيسة البطرسية

 - م الآخر: بينما تناثرت قطع الزجاج الملون والقرميد الأحمر من سقف الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية إثر انفجار القنبلة داخل صحن الكنيسة، وقفت سيدة على باب الكنيسة تبكي وتُعاتب السيدة العذراء على ما حدث في أول أيام شهر «كيهك»: «كده يا عدرا.. ما كانش العشم».

«كيهك» هو الشهر الرابع في التقويم القبطي. ويبدأ عادة في التقويم الميلادي من 10 ديسمبر إلى 8 يناير، ومعروف لدى المسيحيين بـ «الشهر المريمي»، نسبةً لبداية التسبحة السنوية التي تستمر طوال الشهر لمدح السيدة العذراء مريم، ويعتبره المسيحيون أكثر شهور السنة بهجة لأنهم يقضون ساعات طويلة منه داخل الكنائس يسبحون العذراء بالألحان، خاصة القديم منها، ترافقها أنغام الدفوف.

فاحت رائحة الدم وغطت على رائحة البخور التي كانت تعبق الكنيسة قبل الانفجار بقليل، والذي وقع قبل إتمام طقس «التناول» بنصف ساعة، أي قبل نهاية صلاة القداس بوقت قصير. يقول تادرس زكي حنا، أحد الشمامسة الذين كانوا يخدمون أمام المذبح، إن ذلك يؤكد على تخطيط محكم من قبل الجناة. ويضيف لـ «مدى مصر»: «الانفجار وقع قبل التناول بحاجة بسيطة، يعني ده أكتر وقت الكنيسة بتكون فيه زحمة لأن كل الناس وصلت عشان تتناول.. وبالتالي اختيار الوقت ده معناه ضمان أكبر عدد من الضحايا.. لأن القداس بيبدأ في الثامنة والتفجير حصل ما بين عشرة وعشرة وربع».

الكنيسة البطرسية مبنية علي الطراز البازيليكي، وتعد من المعالم الأثرية في القاهرة. بنتها عائلة بطرس غالي باشا، الذي تولي منصب رئيس وزراء مصر في الفترة من 1908 إلى 1911، على نفقتها الخاصة فوق ضريحه. وما زال مدفن الأسرة أسفل الكنيسة، وكان آخر من دفن فيه بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة.

عن مؤامرة لم تعد مقبولة

يجلس تادرس على أحد الأرائك الحجرية داخل حوش الكنيسة البطرسية، وبجواره كيس بلاستيكي يضع بداخله «التونية البيضاء»، وهي الجلباب الأبيض المزخرف بالصلبان الذي يرتديه طاقم الخورس وخدام الهيكل خلال صلاة القداس. تبدو عليه علامات الاندهاش ويتحدث ببطء: «ربع ساعة مش شايفين حاجة من التراب والدخان.. والسقف كله عمال يقع علينا ومش عارفين نخرج ولا نستنى.. والأطفال والستات بيصرخوا ومش عارفين نوصل لهم.. ده حتى الباب الخشب الأثري اللى يحتاج 3 يفتحوه انخلع من الانفجار.. مين يرضيه ده؟».

تغيرت معالم الكنيسة تمامًا، وتشوهت اللوحات الجدارية التي تمثل فترات مختلفة من حياة السيد المسيح، واختفت كل الظلال الملونة التي يعكسها الزجاج الملون لشبابيك الكنيسة على جدرانها، وحل محلها انعكاس الفجوات التي خلفها الانفجار في الجدران. تبعثرت أحذية نسائية وملابس أطفال ومقتنيات خاصة مُحطمة ومُلطخة بالدماء في كل مكان. حاول البعض جمعها ووضعها بأحد الأركان ظنهًا منهم أنهم بحملها بعيدًا عن الأرجل يُجِلُّون أصحابها الذين فارقوا الحياة. ووقفت الراهبات في ذهول وحزن ينظرن لبقايا الشموع التي كانت مضاءة أمام إحدى الأيقونات، يطلبن الرحمة لأسر الضحايا.

«طول الوقت يقولوا لنا صلوا للي بيكرهوكم ويقتلوكم.. لكن أنا خلاص ما بقتش عارف أصلي لهم أقول إيه.. وأي كلام من الأساقفة أو البابا عن أن ربنا اللى بيحمي أصبح هروب من المسئولية.. لأن مش معقولة أعيش وأنا عارف إن في حاجة بتهدد حياتي وما أحاولش أقاومها.. كمية المتفجرات اللي دخلت دي إزاي تعدي على الأمن.. باعت لنا أمن يقعد على الباب يشرب شاي ويعاكس الستات وبس»، بعصبية يتحدث تادرس عما أسماه خللاً في المنظومة الأمنية واختراقها من قبل الإرهابيين، وهروب رجال الكنيسة من المسئولية.

انضمت سيدة خمسينية ترتدي الأسود، كانت حاضرة في القداس، لتجلس بجوار تادرس على الأريكة الحجرية، لتسأله إذا ما كان قد علم بوفاة عم نبيل بواب الكنيسة، فأكد معرفته بالأمر وترحم عليه «ده عنده 3 بنات واتصلنا بأخوه عشان ييجي.. يا بنتي ده الخشب الزان بتاع دكك الكنيسة اتفرتك ما بالك بالناس حصل فيهم إيه.. مش هانسي منظر عماد، شماس معانا وصاحبنا، وهو شايف بنته ومراته متقطعين في كل حتة».

يستطرد تادرس قائلاً: «انتو صحافة مش كدة؟.. كفاية بقي تكتبوا مؤامرات وكلام فارغ.. قولوا للمسئولين إحنا ما بقيناش نصدق خلاص.. ولو بتقولوا ما هو الجيش والشرطة بيحصل فيهم كده زينا، فده من خيبتهم هما ولكننا بندفع الثمن.. كان عندك ضباط ملتحين وضد الداخلية ومعروفين.. كل الموضوع إنهم حلقوا دقنهم.. ولسه في مناصبهم.. يعني انت مخترق وعارف وساكت.. ما تجيش تقول لي استحمل دي مؤامرة».

الغضب خارج السور

اصطفت عشرات من عربات الأمن المركزي والمطافئ والإسعاف والجيش أمام الكاتدرائية تطوقها بالحواجز المعدنية منعًا لمرور السيارات أو المارة، الأمر الذي تسبب في نشوب عشرات المشاجرات بين الأمن وبعض الشباب والرجال الذين حاولوا المرور لدخول البطرسية بالقوة.

«إحنا افتكرنا العمارة بتقع وطلعنا نجري.. لقينا الكنيسة بتطلع دخان وتراب والسقف بينهار، والقزاز بتاع الشبابيك بيطير.. دخلنا الكنيسة ما شفناش حاجة من الغيمة اللي جوه.. بعد ما التراب هدي.. دخلنا شفنا ولا أفلام الرعب.. جتت الناس متقطعة والعمدان نفسها عليها دم وأشلاء.. ده غير إن الباب ما كانش عليه أمن خالص لما روحنا نشوف إيه اللي حصل.. وحتى الأمن نفسه مش بيعمل حاجة ولا بيسأل أي حد انت داخل فين ولا معاك إيه.. جايين دلوقتي يعملوا إيه؟»، يروي سامي خلاب، عامل الكاشير في محل العصير المقابل للكاتدرائية، لـ «مدى مصر».

مشهد المواطنين خارج الكاتدرائية كان مختلطًا. هتفت بعض النساء ضد الإخوان «اسمع اسمع يا إخوانجية.. مش هتاخدوا سينا هدية»، و«الإعدام.. الإعدام.. الإعدام في كل مكان.. الإعدام لكل جبان»، و«الشعب يريد إعدام الإخوان». لم يتجاوب الشباب، فخفت الهتاف بعد قليل. ثم ظهرت مجموعة أخرى من النساء بهتاف ضد الشرطة هذه المرة، في محاولة لاختراق الكردون الأمني: «ما تخليهوش يدوسك ده هو ده اللى بيقتلك.. ما تحسش إنك أقل منه عشان أنت مسيحي»، وتجاهل الأمن الأمر، مشددًا الحراسة على الكردون.

أخيراً، استقرت الغالبية على الهتاف ضد وزير الداخلية، للمطالبة برحيله، الأمر الذي كاد أن يتسبب في وقوع مشاجرات مع الأمن. وبعد أن وردت تصريحات وزارة الصحة والداخلية عن الحادثة في التلفزيون الرسمي، ثار العديدون مرددين: «بيقولوا القتلى ومش الشهداء»، و«يا أبو دبورة ونسر وكاب.. إحنا أقباط ومش إرهاب»، و«وحياة دمك يا شهيد.. لألبس أسود يوم العيد».

هاجم المتجمهرون الإعلام الرسمي وتغطيته «غير المحايدة» للحادث، علي حد وصف أحدهم، قبل أن تحدث اعتداءات على عدد من الإعلاميين الذين حضروا إلى المكان. حاول البعض ترديد هتاف «مسلم ومسيحي إيد واحدة»، إلا أن الغالبية رفضت ترديده، وقال أحد الشباب، ممن يقودون الهتافات: «الكلام ده خلاص ما لهوش معنى».

على الجانب الآخر، لقيت مناشدات العاملين بالهلال الأحمر للتبرع بالدم استجابة واسعة، وتكدس العشرات أمام سيارات الإسعاف والهلال الأحمر المتواجدة في محيط الكاتدرائية للتبرع بالدم، بينهم مسنون وشباب.  وأسرع آخرون لشراء العصائر وتوزيعها على كل من يتقدم للتبرع.